responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 445
التَّمْثِيلِ لَا عَلَى أَنَّ ثَمَّ أَطْوَاقًا، يُقَالُ مِنْهُ: فُلَانٌ كَالطَّوْقِ فِي رَقَبَةِ فُلَانٍ، وَالْعَرَبُ يُعَبِّرُونَ عَنْ تَأْكِيدِ إِلْزَامِ الشَّيْءِ بِتَصْيِيرِهِ فِي الْعُنُقِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: قَلَّدْتُكَ هَذَا الْأَمْرَ، وَجَعَلْتُ هَذَا الْأَمْرَ فِي عُنُقِكَ قَالَ تَعَالَى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الْإِسْرَاءِ: 13] .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِذَا فَسَّرْنَا هَذَا الْبُخْلَ بِالْبُخْلِ بِالْعِلْمِ كَانَ مَعْنَى سَيُطَوَّقُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ طَوْقًا مِنْ نَارٍ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ عُوقِبُوا فِي أَفْوَاهِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا اللِّجَامِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِأَفْوَاهِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذَا الْبُخْلِ بِكِتْمَانِ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مَوْصُوفُونَ بِالْبُخْلِ فِي الْقُرْآنِ مَذْمُومُونَ بِهِ. قَالَ تَعَالَى فِي صِفَتِهِمْ: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النِّسَاءِ: 53] وَقَالَ أَيْضًا فِيهِمْ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النِّسَاءِ: 37] وَأَيْضًا ذَكَرَ عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آلِ عِمْرَانَ: 181] وَذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْيَهُودِ، وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً فِي الْبُخْلِ بِالْعِلْمِ، وَفِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ، وَيَكُونُ الْوَعِيدُ حَاصِلًا عَلَيْهِمَا مَعًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى الْقَطْعِ بِوَعِيدِ الْفُسَّاقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ هَذِهِ الْحُقُوقُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ هُوَ الْمُصَدِّقُ بِالرَّسُولِ وَبِالشَّرِيعَةِ، أَمَّا قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى حِرْمَانِ الثَّوَابِ وَحُصُولِ النَّارِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَهُوَ صَرِيحٌ بِالْوَعِيدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: وَلَهُ مَا فِيهَا مِمَّا يَتَوَارَثُهُ أَهْلُهُمَا مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ فَمَا لَهُمْ يَبْخَلُونَ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ وَلَا يُنْفِقُونَهُ فِي سَبِيلِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الْحَدِيدِ: 7] وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَفْنَى أهل/ السموات وَالْأَرْضِ وَتَبْقَى الْأَمْلَاكُ وَلَا مَالِكَ لَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَجَرَى هَذَا مَجْرَى الْوِرَاثَةِ إِذْ كَانَ الْخَلْقُ يَدَعُونَ الْأَمْلَاكَ، فَلَمَّا مَاتُوا عَنْهَا وَلَمْ يُخْلِفُوا أَحَدًا كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لَهَا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِلْكُ جَمْعِ الْمَالِكِينَ إِلَّا مِلْكَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَصِيرُ كَالْمِيرَاثِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُقَالُ: وَرِثَ فُلَانٌ عِلْمَ فُلَانٍ إِذَا انْفَرَدَ بِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُشَارِكًا فِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النَّمْلِ: 16] وَكَانَ الْمَعْنَى انْفِرَادَهُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ بَعْدَ أَنْ كَانَ دَاوُدُ مُشَارِكًا لَهُ فِيهِ وَغَالِبًا عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِمَا يَعْمَلُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْمُغَايَبَةِ كِنَايَةً عَنِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مِنْ مَنْعِهِمُ الْحُقُوقَ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ، وَالْبَاقُونَ قَرَءُوا بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ خِطَابٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:
179] وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ، وَالْغَيْبَةُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخِطَابِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: الْيَاءُ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ وَهِيَ أَبْلَغُ فِي الوعيد.

[سورة آل عمران (3) : الآيات 181 الى 182]
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ مَا قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182)
[في قوله تَعَالَى لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ]

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 445
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست